فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {حَقِيقٌ} أي واجب {عَلَى أنْ لا أقُولُ}.
قرأ العامة {على أنْ} بـ {عَلَى} التي هي حرف جر داخلة على أن وما في حيّزها.
ونافع قرأ {عليّ} بعَلَى التي هي حرف جرّ داخلة على ياء المتكلِّم.
فأما قراءة العامة ففيها سِتَّةٌ أوْجُهٍ، ذكر الزَّمخشريُّ منها أربعة أوجه:
قال رحمه الله: وفي المشهورةِ إشكال، ولا يخلو من وجوده:
أحدها: أن تكون مما قلب من الكلامِ كقوله: [الطويل]
-.................... ** وتَشْقَى الرِّمَاحُ بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ

معناه: وتشقى الضياطرة بالرِّمَاحِ.
قال أبُو حيَّان: وأصحابنا يخصُّون القلب بالضَّرُورةِ، فينبغي أن يُنزَّه القرآن عنه.
وللنَّاس فيه ثلاثةُ مذاهب: الجواز مطلقًا، المنع مطلقًا، التَّفصيل: بين أن يفيد معنىً بديعًا فيجوزُ، أو لا فيمتنع، وقد تقدَّم إيضاحه، وسيأتي منه أمثلة أخر في القرآن العظيم.
وعلى هذا الوجه تصيرُ هذه القراءة كَقِرَاءةِ نافع في المعنى، إذ الأصلُ: قول الحق حقيق عليَّ، فقلب اللفظ فصار: أنَّ حقيق على قول الحقِّ.
قال: والثاني: أن ما لزمك فقد لزمته، فلمَّا كان قول الحقِّ حقيقًا عليه كان هو حقيقًا على قول الحقِّ أي لازمًا له.
والثالث: أن يضمَّنَ حقيق معنى حريص كما ضمت هيجّني معنى ذكْرني في البيتِ المذكور في كتاب سيبويه وهو قوله: [البسيط]
إذَا تَغَنَّى الحَمَامُ الوُرْقُ هَيَّجَنِي ** وَلَوْ تَسَلَّيْتُ عَنْهَا أمَّ عَمَّارِ

الرابع: أن تكون عَلَى بمعنى الباء، وبهذا الوجه قال أبو الحسن والفراء والفارسيُّ، قالوا: إنَّ على بمعنى الباء كما أن الباء بمعنى على في قوله: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ} [الأعراف: 86] أي: على كلٍّ.
وقال الفرَّاءُ: العرب تقول: رَمَيْتُ على القوس وبالقوس وجئتُ على حالٍ حسنة وبحال حسنة، وتؤيده قراءة أبيّ والأعمش {حقيق بأن لا أقول} إلاَّ أنَّ الأخفش قال: وليس ذلك بالمطَّرد لو قلت: ذهبتُ على زيْدٍ تريد: بزيدٍ لم يجز، وأيضًا فلأن مذهب البصريِّين عدم التجوُّزِ في الحُرُوفِ.
الخامس:- وهو الأوجه والأدخل في نكت القرآن- أن يغرق موسى- عليه الصلاة والسلام- في وصف نفسه بالصِّدْق في ذلك المقام لاسيما وقد رُوِيَ أنَّ فرعون- لعنه الله- لمَّا قال موسى: إنِّي رسول من رب العالمين قال له: كذبت فيقول: أنا حقيقٌ على قول الحقِّ أي: واجب عليَّ قول الحقِّ أن أكون أنا قائله والقائم به، ولا يَرْضى إلاَّ بمثلي ناطقًا به.
قال أبُو حيَّان: ولا يصحُّ هذا الوجه إلاَّ إن عنى أنه يكون {أن لا أقُول} صفة له كما تقول: أنَا على قول الحقِّ أي: طريقتي وعادتي قول الحقّ.
السادس: أن تكون {على} متعلقة بـ {رَسُول}.
قال ابن مقسم: حقيقٌ من نعت {رَسُول} أي رسول حقيق من ربِّ العالمين أرْسِلْتُ على ألاَّ أقولَ على الله إلا الحقَّ، وهذا معنى صحيح واضحٌ، وقد غفل أكثرُ المفسرين من أرباب اللُّغَة عن تعليق {على} بـ {رسول}، ولم يخطر لهم تعليقه إلاَّ بـ {حقيق}.
قال أبُو حيَّان: وكلامه فيه تَنَاقضٌ في الظَّاهِرِ؛ لأنَّهُ قدَّر أولًا العامل في {عَلَى} {أرسلت} وقال أخيرًا: لأنهم غفلوا عن تَعْليق {على} بـ {رسول}، فأمَّا هذا الأخير فلا يجوزُ عند البصريين؛ لأنَّ رسولً قد وُصِف قبل أن يأخذ معموله، وذلك لا يَجُوزُ، وأمَّا تعليقه بـ {أرسلت} مقدَّرًا لدلالةِ لفظ رَسُوله عليه فهو تقديرٌ سائغ.
ويتأوَّل كلامه أنَّه أراد بقوله تُعَلَّقُ {على} بـ {رسول} أنه لمَّا كان دالًا عليه صحَّ نسبة التَّعلق له.
قال شهابُ الدِّين: وقال أبُو شامَةَ بعد ما ذكر هذا الوجه عن ابن مقسم: والأوْجهُ الأربعةُ التي للزمخشريِّ ولكن هذه وجوهٌ متعسِّفةٌ، وليس المعنى إلاَّ على ما ذكرته أوَّلًا، يعني وجه ابن مقسم، وهذا فيه الإشكال الذي ذكره الشيخ يعني أبا حيَّان يعني من إعمال اسم الفاعل أو الجاري مجراه وهو موصوفٌ.
وأمَّا قراءة نافع فواضحةٌ وفيها ثلاثةُ أوجُهٍ:
أحدها: أن يكون الكلامُ قد تم عند قوله: {حقيق}، و{عليَّ} خبر مقدَّمٌ، {ألاَّ أقُولَ} مبتدأ مؤخر، كأنَّهُ قيل: عليَّ عدم قول غير الحقِّ أي: فلا أقُولُ إلا الحقَّ.
الثاني: أن يكون {حَقِيقٌ} خبرًا مقدمًا، و{ألاَّ أقولَ} مبتدأ على ما تقدَّم بيانه.
الثالث: {أن لا أقول} فاعلٌ بـ {حقيقٌ} كأنَّهُ قيل: يحقُّ ويجبُ أن لا أقول، وهذا أغربُ الوُجُوهِ لوضُوحِهِ لفظًا ومعنى، وعلى الوجهين الأخيرين تتعلَّق {عليَّ} بـ {حقيقٌ} لأنَّك تقول: حقَّ عليهِ كذا قال تعالى: {أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} [الأحقاف: 18].
وعلى الوجْهِ الأوَّلِ يتعلَّق بمحذوف على ما تقرر.
وأمّا رفع {حقيقٌ} فقد تقدَّم أنَّهُ يجوز أن يكون خَبَرًا مقدَّمًا، ويجوز أن يكون صفةً لـ {رَسُول}، وعلى هذا فيضعف أن يكون {مِنْ رب} صفةً لئلا يلزم تقديم الصفة غير الصّريحَة على الصَّريحة، فينبغي أن يكون متعلّقًا بنفس {رَسُول}، وتكون {مِنْ} لابتداء الغاية مجازًا.
ويجوز أن يكون خبرًا ثانيًا.
ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر على قراءة من شددَّ الياء، وسوَّغَ الابتداء بالنكِرَةِ حينئذٍ تعلُّق الجارِّ بها.
فقد تحصَّل في رفعه أربعة أوجُهٍ، وهل هو بمعنى فاعل، أو بمعنى مفعول؟ الظَّاهِرُ أنَّهُ يحتمل الأمرين مُطْلَقًا، أعني على قراءة نَافِعٍ وقراءة غيره.
وقال الوَاحِدِيُّ نَاقِلًا عن غيره: إنَّهُ مع قراءةِ نافع محتمل للأمرين، ومع قراءة العامَّةِ بمعنى مفعول فإنَّهُ قال: وحقيقق على هذا القراءةِ- يعني قراءة نَافِعٍ- يجوز أن يكون بمعنى فاعل.
قال شمرٌ: تقولُ العربُ: حقَّ عليَّ أن أفعل كذا.
وقال الليثُ: حقَّ الشَّيء معناه وجب، ويحقُّ عليك أن تفعله، وحقيق عليَّ أنْ أفعله، فهذا بمعنى فاعلٍ ثم قال: وقال اللَّيْثُ: وحقيقٌ بمعنى مفعول، وعلى هذا تَقُولُ: فلان محقوقٌ عليه أن يفعل.
قال العشى: [الطويل]
لَمَحْقُوقَةٌ أنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ ** وَأنْ تَعْلَمِي أنَّ المُعَانَ مُوَفَّقْ

وقال جريرٌ: [البسيط]
-..................... ** قَصَّرْ فَإنَّكَ بالتَّقْصيرِ مَحْقُوقُ

ثم قال: وحقيقٌ على هذه القراءة- يعني قراءة العامَّة- بمعنى محقوق انتهى.
وقرأ أبَيٌّ {بأن لا أقُولَ} وهذه تقوي أنَّ {على} بمعنى الباء.
وقرأ عبدُ الله والأعمشُ {لاّ أقُولَ} دون حرف جرّ، فاحتمل أن يكون ذلك الجارّ {على} كما هو قراءة العامَّةِ، وأن يكون الجارُّ الباء كقراءة أبيّ المتقدمة.
والحقُّ هو الثابت الدَّائِمُ، والحقيق مبالغة فيه.
قوله: {إلاَّ الحَقَّ} هذا استثناء مفرَّغٌ، و{الحقُّ} يجوزُ أن يكون مفعولًا به، لأنَّهُ يتضمن معنى جملة، وأن يكون منصوبًا على المصدر أي: القول الحق. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)}.
الرجوعُ إلى دعاء فرعون إلى الله بعد سماع كلام الله بلا واسطة صعبٌ شديد، ولكنه لمَّا وَرَدَ الأمرُ قابله بحسن القبول، فلما ترك اختيار نفسه أيّده الحق سبحانه بنور التأييد حتى شَاهَدَ فرعونَ محوًا في التقدير فقال: {حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الحَقَّ} فإذا لم يصح له أن يقول على الخلق؛ فالخلق محوٌ فيما هو الوجود الأزلي فأيُّ سلطانٍ لآثار التفرقة في حقائق الجمع؟. اهـ.

.تفسير الآية رقم (106):

قوله تعالى: {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

وفي جعل ذلك نتيجة الإرسال إليه تنبيه على أن رسالته مقصورة على قومه، فكأنه قيل: فماذا قال فرعون في جواب هذا الأمر الواضح؟ فقيل: {قال} معرضًا عنه معميًا له خوفًا من غائلته عند من يعرف موسى عليه السلام حق المعرفة معبرًا بأداة الشك إيقافًا لهم: {إن كنت جئت بآية} أي علامة على صحة رسالتك {فأت بها} فأوهم أنه لم يفهم إلا أن المراد أنه سيقيمها من غير أن يكون في كلامه السابق دلالة على صدقه، وأكد الإبهام والشك بقوله: {إن كنت} أي جبلة وطبعًا {من الصادقين} أي في عداد أهل الصدق العريقين فيه لتصح دعواك عندي وتثبت. اهـ.

.قال الفخر:

{قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وفيه بحثان:
البحث الأول: أن لقائل أن يقول: كيف قال له {فَأْتِ بِهَا} بعد قوله: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ}.
وجوابه: إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فاتني بها وأحضرها عندي، ليصح دعواك ويثبت صدقك.
والبحث الثاني: أن قوله: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ} جزاء وقع بين شرطين، فكيف حكمه؟ وجوابه أن نظيره قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدًا.
وهاهنا المؤخر في اللفظ يكون متقدمًا في المعنى، وقد سبق تقرير هذا المعنى فيما تقدم. اهـ.